عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شفاء العليل شرح منار السبيل
201812 مشاهدة
بــاب الآنية


قوله: [باب الآنية: يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله ولو ثمينا] في قول عامة أهل العلم قاله في الشرح ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اغتسل من جفنة و توضأ من تور من صفر و تور من حجارة و من قربة و إداوة .
[ إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما ] لما روى حذيفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة . وقال: الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم متفق عليهما وما حرم استعماله حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال، كالطنبور، ويستوي في ذلك جال والنساء، لعموم الخبر.


الشرح: لما كانت المياه تحتاج في استعمالها إلى الآنية لتحفظ فيها لأنها من السوائل كان من المناسب عند الفقهاء ذكر هذا الباب بعد الحديث عن المياه وأقسامها، والآنية جمع إناء، والإناء هو القدح أو الماعون الذي يجعل فيه الماء، وهو يتخذ من صفر، أو من حديد، أو من نحاس، أو من معدن، ونحو ذلك، وقد يتخذ من التراب (الطين) كالأزيار، والجرار، أو يتخذ من الخزف، أو من الخشب، أو من الجلود كالقرب، وقد يتخذ من العظام، أو من بيض النعام بأن تكون قشرتها كالإناء لكبر حجمها.
والأواني جميعها مباحة- كما ذكر المؤلف- لأن الأصل فيها الحل لأنها داخلة في عموم قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ومنه الآنية لأنها من الأرض، وقوله -صلى الله عليه وسلم- إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها فيكون الأصل فيما سكت الله عنه الحل إلا في العبادات فالأصل فيها التحريم- كما هو معلوم- إلا ما جاء به الكتاب والسنة.
ومما يشهد لإباحة الآنية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اغتسل من جفنه، وتوضأ من تور من صفر، ومن تور من حجارة، ومن قربة، ومن إداوة.
فالحاصل أن الأصل في الآنية الحل إلا ما جاء الشرع بتحريمه، كآنية الذهب والفضة، ولكن لا بد أن يكون الإناء طاهرا، والطاهر يخرج النجس كما لو صنع الإناء من عظام ميتة فإنه يكون نجسا لنجاستها، وهكذا لو ضيع من تغر، فالإناء النجس لا يجوز استعماله لأنه قذر.
وقوله: (ولو ثمينة) الثمين هو الرفيع القيمة، كالجوهر، والزبرجد، والزمرد، ونحوها، ولو كان أغلى من الذهب والفضة.
وقوله: (ولو ثمينا) يدل على أن المسألة فيها خلاف لأن هناك من حرمها قياسا على الذهب والفضة، وأما من أجازها فقد قصر التحريم على الذهب والفضة لأنهما الواردان في الأحاديث فلا يقاس عليهما غيرهما.
وأما العلة في تحريم الذهب والفضة فقد اختلف فيها العلماء:
1- فقال بعضهم: حرمت لأنها غالية ونفيسة، فاستعمالها إسراف من الإنسان الذي جعل الأموال الكثرة في هذه الآنية الذهبية أو الفضية، وقد نهى الله عن الإسراف بقوله إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وقال -صلى الله عليه وسلم- كل واشرب والبس في غير إسراف ولا مخيلة ولكن هذا التعليل قاصر؛ لأنه قد يقال في غيرهما ما يقال فيهما، حيث أنه قد وجد من الآنية الثمينة ما تتجاوز أثمانها الذهب أو الفضة.
2- وقيل: بل العلة هي كسر قلوب الفقراء لأنهم- أي الفقراء- يعرفون الذهب والفضة لاشتهارهما، فإذا رأوا من يستعملهما كآنية سخطوا واحتقروا حياتهم، واعترضوا على قضاء ربهم، وحقدوا، وحسدوا الأغنياء، وهذا فيه تفريق بين أبناء المجتمع الواحد، ونشر للإحن والعداوات بينهم، فلذلك حرم الذهب والفضة، أما ما عدا الذهب والفضة فإن الفقراء لا يعرفون قيمته لعدم اشتهاره، وهم لا يعتقدون أنه أرفع من الذهب والفضة فلذلك أبيح اتخاذه واستعماله.
3- وقيل: بل العلة في النهي هي أن لا تستمتع النفوس بشهواتها في الدنيا فتحرمها في الآخرة، وقد قال تعالى عن الكفار: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فنهي المسلم عن مشابهة الكفار في هذا الاستمتاع.
4- وقيل: بل العلة التشبه بأهل الجنة حيث يطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب من ذهب، وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا في يده خاتم من ذهب فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة فهذه العلة معتبرة في الشرع.
5- وقيل: بل العلة في النهي لئلا يحصل التشبه بالكفار الذين اشتهر عنهم اتخاذ الذهب والفضة واستعمالهما كآنية، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة .
6- وقال ابن القيم (الصواب أن العلة- والله أعلم- ما يكسب استعمالها القلب من الهيأة والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة؛ ولهذا علل النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها للكفار في الدنيا إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها الآخرة، فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا، وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة) .
فالحاصل أن بعض هذه العلل السابقة خاص بالذهب والفضة، وبعضها يشمل الذهب والفضة وغيرهما من الآنية الثمينة، وسواء علمنا علة النهي أم لم نعلمها فالأحاديث النبوية صريحة في تحريم اتخاذ آنية الذهب والفضة أو استعمالها.
وقول المؤلف (يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله) يدل على أن الاتخاذ غير الاستعمال، فالاتخاذ هو الاقتناء بغير استعمال، بأن يشتري الآنية لا ليشرب فيها أو يأكل بل ليجعلها ذخيرة عنده وكنزا دون أن يستعملها، وقد يتخذها للزينة أحيانا، وأما الاستعمال فهو أن يستعمل الإناء فيما يستعمل فيه، فآنية الذهب والفضة- كما سبق- لا يجوز اتخاذها، فمن باب أولى لا يجوز استعمالها، سواء للأكل والشرب أم لغيرهما.
وقد ذهب بعض العلماء- كالشوكاني رحمه الله- إلى أن اتخاذ الذهب والفضة وكذا استعمالهما في غير الأكل والشرب جائز لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن شيء مخصوص وهو الأكل والشرب، ولو كان المحرم غيرهما لكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أبلغ الناس وأبينهم، فلا يخص شيئا دون شيء، بل إن تخصيصه الأكل والشرب دليل على أن ما عداهما جائز، لأن الناس ينتفعون بهما في غير ذلك.
قالوا: ولو كانت حراما مطلقا لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتكسيرها كما كان -صلى الله عليه وسلم- لا يدع شيئا فيه تصاوير إلا كسره.
ولأنها إذا كانت محرمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة.
قالوا: ومما يدل لذلك أن أم سلمة - رضي الله عنها- وهي راوية حديث النهي عن الذهب والفضة كان عندها جلجل من فضة جعلت فيه شعرات من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان الناس يستشفون بها فيشفون بإذن الله كما في صحيح البخاري وهذا استعمال في غير الأكل والشرب.
والجواب عن هذا أن يقال: إنما ورد في الحديث النهي عن الأكل والشرب، لأنهما أغلب ما تقتنى له الأواني، فيلحق بهما التطهر منهما، والطبخ فيهما، أو نحو ذلك من الاستعمال.
ثم يقال: إن صناعتها كأواني محرم، لأن ذلك ذريعة إلى الاستعمال، ولا شك أنه يبقى حكم التحلي بهما في حق النساء للذهب والفضة، وفي حق الرجال للفضة، ويبقى أيضا ادخارهما كمال نفيس، وضربهما عملة ونقدا كبدل للسلع، ونحو ذلك، ويبقى منع الاستعمال عاما في كل ما ينتفع به، وبهذا يعرف خطأ من أسرف فيهما في هذه لأزمنة، حتى موهوا السقف والحيطان بماء الذهب، فضلا عن القناديل، وآلات الكهرباء، وحنفيات المياه، وغسالات الأيدي، ومفاتيح الأبواب، والسيارات، ومقابض السكاكين، وأدوات الكتابة: كالأقلام، والساعات اليدوية، والنظارات، وأزارير الثياب، ونحو ذلك، وقد ذكرنا من العلل في تحريم الذهب: الإسراف الذي نهى الله عنه، وتبذير المال وإفساده، مع إمكان الاستغناء عنه، فالله المستعان.
فالحاصل أن اتخاذ الذهب والفضة محرم، وكذا استعمالهما سواء في الأكل والشرب أخر يما غيرهما.
وقد ألحق العلماء بهما ما كان مموها بالذهب أخر الفضة، أي مطليا بماء الذهب أو الفضة، وهكذا المطعم بهما وذلك بأن يخرق ويملأ بالذهب أو الفضة.